على الرغم من أن العالم البريطاني سميث ابتدع المصطلح "المطر الحمضي" منذ قرن مضى، فإن العلماء لم يدركوا إلا من العقود القليلة الماضية
أن الحموضة المنتشرة على نطاق واسع في التساقط تسبب أضرارا في أماكن بعيدة عن مصدرها. فلقد أضر الترسب الحمضي بالحياة في البحيرات والأنهار، وعمل على تآكل مواد البناء، وعجل من تبلية المنشآت على امتداد مساحات شاسعة من العالم. أضف إلى ذلك أنه أصبح المتهم الرئيسي في انحطاط صحة بعض أنواع أشجار الغابات في أمريكا الشمالية وأوروبا.
ينشأ الترسب الحمضي عندما تنبعث الملوثات، خاصة أكاسيد النيتروجين والكبريت، من المداخن والمسابك ومخارج العادم في السيارات إلى الجو، وتتحول هذه الأكاسيد في سلسلة من التفاعلات الكيميائية مع مواد أخرى في الجو إلى أحماض تسقط ثانية على سطح الأرض مذابة في المطر والثلج والضباب، أو على شكل غازات أو دقائق جافة.
ويرجع السبب في نشوء التوترات السياسية حول الترسب الحمضي، في غالبية الأحوال،
إلى أن تأثيرات الملوثات الناتجة في إحدى المناطق يمكن أن تحس في منطقة أخرى.فحموضة البحيرات في أقصى شمال ولاية نيويورك تنجم نسبيا عن الانبعاثات من مداخن محطات توليد القوى في وسط الغرب. والأحماض التي تتساقط مطرا في اسكندناوه تنشأ أصلا في أوروبا الوسطى أو المملكة المتحدة، وحوالي 50% من الترسب الحمضي الذي يسقط شرقي كندا يأتي من الولايات المتحدة الأمريكية.
ولقد اكتشف الترسب الحمضي حديثا في مناطق صناعية شملت غرب أمريكا الشمالية والصين واليابان والاتحاد السوفيتي وأمريكا الجنوبية. ولقد قيست مستويات عالية لأكسيد النتريك وغازات أخرى ثبت أن لها دورا في الترسب الحمضي ، في بعض مناطق أفريقيا غير كثيفة التصنيع. كما أن الحرائق التي يشعلها الفلاحون لإزالة الغابات والسافانا يمكن أن تكون مصدرا للترس الحمضي.
والسبب الرئيسي في الترسب الحمضي في العالم الصناعي هو أكسيد الكبريت الذي ينبعث إلى الجو عندما يحرق الفحم كوقود أو عندما تستخدم خامات عالية الكبريتيد في المسابك. وتختلف كمية الكبريت من الفحم من ركام لآخر. وكلما ارتفع المحتوى الكبريتي في الفحم، زاد الإسهام في الترسب الحمضي إذا ما استخدم هذا الفحم وقودا. وليس الفحم جميعه غنيا بالكبريت. ففحم وسط غرب الولايات المتحدة به نسبة عالية من الكبريت – حوالي 3% وزنا، وفحوم سلسلة الجبال الأبلاشية به كبريت قليل نسبيا، حيث يقل الكبريت فيه عن 1%. وستقيم الصين، المقدمة على خطط طموحة للتنمية الصناعية، مصانع ومحطات قوى مستخدمة احتياطاتها الضخمة من الفحم الغني بالكبريت مصدرا للوقود. والفحم الذي به نسبة عالية من الكبريت يحرق أيضا في بقاع أخرى من العالم مثل بلاد أوروبا الشرقية.
وتأتي أكاسيد النيتروجين في المرتبة الثانية كمصدر هام للمركبات المحمضة. وهي تنبعث كمنتج ثانوي عند احتراق الوقود الحفري كالبنزين والنفط والغاز الطبيعي. وتتوقف الكمية المنبعثة على عوامل متنوعة، وبوجه خاص ، درجة حرارة الاحتراق. هذا، وسيارات الركوب وغيرها من المركبات الأخرى تبعث بجزء كبير من أكاسيد النيتروجين التي تسبب في الترسب الحمضي. كما تسهم المصادر الثابتة، كمحطات توليد القوى، أيضا بكميات ذات شأن من أكاسيد النيتروجين في الجو.
ولقد أدرك العلماء والجماهير في أوروبا خلال الستينات والسبعينات والسبعينيات من هذا القرن أن كمية الأحماض المذابة في التساقط تتوقف على اتجاه الهواء المنساب فوق أوروبا وإنجلترا ومواعيده وسرعته. أما في أمريكا الشمالية وبقية العالم فقد استغرق بدء الاهتمام وقتا أطول. فطوال أوائل السبعينيات كان الدافع إلى إجراء البحوث في تلوث الهواء بأمريكا الشمالية هو الاهتمام بتأثيرات الملوثات الجوية المحتملة في صحة الإنسان أكثر منه القلق من ناحية التأثيرات في النظم الإيكولوجية في الماء وعلى البر. وتدريجيا أصبح واضحا أن التغيرات في تركيب التساقط الكيميائي كان لها تأثيرات هامة، واقعية أو محتملة، في النظم الإيكولوجية. ومنذئذ قام العلماء بإجراء ملايين القياسات وإصدار آلاف المنشورات لفهم أسباب وعواقب الترسب الحمضي.