ان التنبؤ بعبور كواكب (داخلية) كعطارد والزهرة امام الشمس تتطلب معرفة جيدة بالحركات المدارية لهذه الكواكب.
وقد كان ذلك ممكنا مع بداية القرن السابع عشر بفضل اعمال جوهانس كبلر (1571 - 1630). وكان كبلر قد تنبأ بمرور كوكب عطارد امام الشمس في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 1631 وعبور الزهرة في السابع من ديسمبر/ كانون الاول من السنة نفسها، وهو الحدث الذي لم يتمكن من مشاهدته لانه توفي قبل هذا التاريخ بسنة، وتوصل كبلر الى فترة تقريبية لتكرار الظاهرة والتي تبلغ 120 سنة، بالنسبة لعبور الزهرة امام الشمس ويذكر ان عبور الزهرة الذي توقعه كبلر طبقا لجداول رودولفين، لم يحدث في ليلة 6 - 7 ديسمبر/ كانون الاول 1631 في اوروبا برمتها، بل شوهد نهاية ذلك العبور في وسط اوروبا فقط.
وكان الراهب جيرميه هوروكس (1619 - 1641) قد تنبأ بالعبور الثاني للزهرة امام الشمس يوم الاحد في الرابع من ديسمبر/ كانون الاول عند الساعة 3 من بعد الشهر، وجاء هذا التوقع مخالفة لفترة ال120 سنة التي تحدث عنها كبلر، وطبقا لهذه المشاهدة تمكن هوروكس من حساب موقع عقدة مدار الزهرة حول الشمس، واستطاع ان يقدر القطر الظاهري للكوكب والذي لم يتجاوز الدقيقة القوسية اضافة الى تحديد قيمة للزاوية القطرية للشمس لا تتعدى 14 ثانية قوسية اي ما يعادل مسافة بين الشمس والارض تبلغ 14700 شعاع ارضي (94 مليون كيلومتر).
وفي العام ،1677 وعلى جزيرة سانت هيلين، تمكن إدموند هالي (1656 - 1742) الذي ترجع اليه تسمية احد المذنبات المشهورة باسمه، من مشاهدة عبور كوكب عطارد امام الشمس، وتمكن من تحديد الزاوية القطرية للشمس لتحديد البعد بين الكوكب وبين الشمس، ووفقا لحسابات هالي أمكن التنبؤ بعبور الزهرة امام الشمس في العامين 1761 و1769. وكان الفريق العلمي العامل في الجمعية الملكية للدراسات الفلسفية والرياضية، قد تمكن من استخدام طريقة هالي لحساب مرور الكواكب امام الشمس. وتتمثل طريقة هالي في حساب الفترة الزمنية التي مرت بين الاتصال الداخلي الاول والاخير للكوكب مع القرص الشمسي لمرتين على الاقل وفي مكانين معروفين بأكبر خط عرض ممكن وللقيام بهذا العمل، كان لابد من الانتقال الى أماكن المشاهدة التي غالبا ما تكون بعيدة جدا، واجراء المشاهدات المبدئية بطريقة يمكن من خلالها تحديد الاحداثيات الجغرافية بدقة، كخط العرض الذي يمكن بواسطته استنتاج الزاوية القطرية للكوكب وخط الطول الذي يمكن من خلاله الموافقة الزمنية بين المشاهدات، ومن خلال هذه الطريقة، كان هالي يتطلع الى تحديد قيمة الزاوية القطرية للشمس بمعدل يبلغ جزءا من 500 جزء من الزاوية، وذلك اذا ما تمت مشاهدة الاتصال الداخلي للكوكب بشقيه البدائي والنهائي بفارق لا يزيد على الثانيتين من الزمن.
يذكر ان الفلكي الفرنسي جوزيف نيكولاس دوليسل (1688 - 1768) اقترح في العام 1722 طريقة اخرى تستند إلى مشاهدة مرحلة واحدة لمرور الزهرة امام الشمس، اي مشاهدة نقطة الاتصال الاولى او الاخيرة وليس الاثنان معا. ويمكن من خلال هذه الطريقة زيادة احتمالات الاماكن التي تشاهد منها الظاهرة، اضافة بالطبع الى الاماكن الاخرى التي لا يمكن فيها اصلا مشاهدة الا مرحلة واحدة فقط.
والشيء الوحيد الذي تتطلبه هذه الطريقة، المعرفة الدقيقة بخطوط الطول لأماكن الرؤية وهو ما كان يعتبر من الامور الصعبة في القرن الثامن عشر.
وفي ،1723 تمكن دوليسل من مشاهدة عبور الزهرة امام الشمس وتمكن من استنتاج الزاوية القطرية او ما يسمى بزاوية اختلاف المنظر للشمس. وفي العام ،1761 كانت الحسابات التي اجراها دوليسل مهمة للغاية، فقد تحركت جميع الاوساط العلمية لمشاهدة عبور الزهرة أمام الشمس. وقام دوليسل بارسال اكثر من 100 فلكي لجميع انحاء العالم، ليشاهدوا الظاهرة من اماكن مختلفة كما وزع عليهم خريطة للعالم لتسهيل دراسة هذا الحدث التاريخي الذي وقع 6 يونيو/ حزيران 1761م.
ويقال ان عدد المواقع التي شوهد منها ذلك الحدث عبر العالم، بلغ 120 موقعا، علما بأن عددا كبيرا منها قد تم اختياره وفقا لارشادات هالي عام 1716.
المثير في المشاهدة الفلكية التي تمخضت عنها ظاهرة عبور الزهرة امام الشمس في العام ،1761 انها جعلت العلماء يؤكدون وجود غلاف جوي حول الكوكب، من خلال ظهور هالة مشتتة الضوء حول الزهرة، حيث شوهدت هذه الهالة ما بين نقطتي التماس الداخلية والخارجية مع الشمس. ولوحظ ان هذه الهالة اتخذت اشكالا مختلفة وفقا لموقع الكوكب ما بين نقطتي التماس. وقد تم تفسير هذه الاشكال على وجود غلاف جوي حول الزهرة.
ولا شك ان التجربة التي مر بها العلماء في العام ،1761 قد مكنتهم من تحسين أداء الطرق المستخدمة لمشاهدة الظاهرة نفسها عام ،1769 حيث اعد لها العلماء في فرنسا وبريطانيا بشكل كبير وذلك على يد الفلكيين الفرنسين لالوند والبريطاني جيمس فيرجسون اللذين ارسلا عددا من الفلكيين الى جميع انحاء العالم لمتابعة حدوث الظاهرة، كما دعت اكاديمية روسيا الملكية بطلب من الملكة كاترين الثانية، عددا من الفلكيين الاجانب لمشاركة الفلكيين الروس متابعة مرور الزهرة امام الشمس.
وقد تم اجراء اكثر من 151 مشاهدة فلكية للظاهرة، موزعة على 77 موقعا. واستخدم في متابعة الظاهرة 27 مرقاباً اكروماتياً (خاصة ازالة الألوان او انفاذ الضوء من غير تحليله عبر العدسات). الجدير بالذكر ان هذه المشاهدات لم تمكّن العلماء من تحديد قيمة نهائية للزاوية القطرية للشمس الا انها مكنتهم من الحصول على قيمة محسنة بالمقارنة مع القيم السابقة.
ومع تطور التقنيات العلمية لاسيما تلك التي لها علاقة بالتصوير الفوتوغرافي والساعات، ومعرفة خطوط الطول الارضية بفضل التلجراف، استطاع العلماء متابعة عبور الزهرة عام 1874 انطلاقاً من المناطق الجنوبية للكرة الارضية (كالصين واليابان وكذلك بعض الدول الواقعة في شمال شرق آسيا).
واخترع الفلكي الفرنسي جانسين ما يشبه “المسدس المصور” حيث التقط بواسطته 48 لقطة لمرور الزهرة امام الشمس.
كان اللقاء الاخير للعلماء مع الزهرة والشمس في العام 1882 حيث شوهد مرور الكوكب امام الشمس في امريكا الجنوبية، ونظم العلماء بعثات علمية متعددة الى جميع دول العالم لمتابعة الظاهرة ومقارنتها بما سبق. وقد شارك مرصد واشنطن البحري في متابعة الظاهرة ونظم بدوره 8 بعثات علمية في كل ارجاء العالم. وكان لاستخدام الرادار دوراً كبيراً في الحصول على قيمة دقيقة جداً للزاوية القطرية للشمس اثناء مرور الزهرة امامها.
يولّد الكوكبان عطارد والزهرة في الاتجاه المعاكس للشمس مخروطين، مخروط الظل ومخروط لشبه الظل، ويمثل الخط الواصل بين مركز الشمس ومركز الكوكب محور هذين المخروطين. ويقع رأس مخروط شبه الظل على هذا المحور بين الشمس والكوكب. ويقع رأس مخروط الظل على المحور ذاته ولكن من الناحية الاخرى بالنسبة للكوكب. ويرى المشاهد الواقع في منطقة مخروط الظل وقبل منطقة الرأس ان الكوكب يسبب كسوفاً كلياً للشمس، اما المشاهد الواقع على طول مخروط الظل اي بعد منطقة رأس مخروط الظل، فسيشاهد كسوفاً حلقياً للشمس ما يعني مرور الكوكب أمام الشمس وإذا ما وجد أي مشاهد في منطقة مخروط شبه الظل فإنه سيرى كسوفاً جزئياً أي مروراً جزئياً للكوكب امام الشمس. ونظراً للمسافة بين الارض وكوكبي عطارد والزهرة، يلاحظ ان الارض تمر في امتداد مخروط الظل وشبه الظل فقط، ويترجم ذلك بالنسبة لمراقب ارضي، مرور الكوكب امام قرص الشمس (كسوف حلقي).
يذكر انه لو كان مدار كل من عطارد والزهرة يقع في المستوى الكسوفي نفسه لمدار الارض، لحدث مرور لهذين الكوكبين امام الشمس في كل مرة يحدث فيها قران سفلي بينهما وبين الارض، لكن ميل مدار كل من عطارد (7 درجات) والزهرة (3،39 درجة) بالنسبة للمستوى الكسوفي يقلل من احتمالية مرور الكوكبين بالقرب من خط العقد الموجود على المدارات بشكل عام. والمعروف ان خط العقد هو الخط المتكون جراء تقاطع المستوى المداري للكوكب مع المستوى المداري للأرض.
وثمة مستوى فلكي آخر يعرف بمستوى بيسل، وهو يمثل المستوى المار بمركز الارض والخط المتعامد مع محور المخروطين، ويحدد التقاطع بين مخروط الظل وشبه الظل مع مستوى بيسل دوائر الظل وشبه الظل. ومن خلال المقارنة بين انصاف اقطار الدوائر مع المسافة بين محور المخروطين ومركز الارض، يمكننا التعرف إلى ما اذا كان مركز الارض سيدخل في مخروط الظل وشبه الظل، ومعرفة ما اذا كان عبور الكوكب امام الشمس سيحدث ام لا. ويقول جوردون بروميدج استاذ علم الفلك في جامعة وسط لانكشير في انجلترا إن العالم سيشهد حدثاً نادراً ورائعاً ومذهلاً حقاً.