برتقالة ؟؟؟؟
تروي كتب إدارة الخلاف أنه اختلفت شقيقتان وارتفعت أصواتهما بسبب برتقالة وحيدة، كل منهما تريد أخذها بالكامل وبعد جهد وتدخل الغير قبلتا على مضض أن تتناصفا البرتقالة بالتساوي. وأمام دهشة الجميع أخذت الأولى النصف الأول وعصرته وشربت العصير ورمت القشرة... بينما قامت الأخرى ببشر قشرة النصف الذي معها واستخدمته في صنع كيك لذيذ بنكهة البرتقال ورمت بمحتويات نصف البرتقالة.
ماذا لو سألت إحداهن الأخرى قبل الخلاف وقبل القبول بقرار التقسيم: ماذا تريدين فعله بالبرتقالة؟ لو تحاورتا بوضوح لحصلت كل منهما على ما تريده من برتقالة كاملة.
وهنا نلحظ عظمة معنى "في اختلاف أمتي رحمة".هذه تريد عصير البرتقالة وتلك تريد قشرتها فقط. صورة رائعة للتكامل في استخدامنا للموارد لو أوضحنا نوايانا واحتياجاتنا لبعضنا البعض.
الاختلاف في الأهداف حول موضوع واحد قد يكون تكاملا ومجلبة للمنافع وليس للكوارث... لو أعلنت هذه الأهداف وشرح كل من الطرفين المتنازعين أهدافه لخرج كل منهما بنصيب الأسد وفض النزاع وقضي على الخلاف وكان في اختلاف أهدافهما تكامل تقتضيه طبيعة الحياة يؤدي إلى مضاعفة مكاسب كل من الطرفين دون الإقلال من مكاسب الآخر على الإطلاق. وهذا ما نسميه مبدأ أنت تكسب وأنا أكسب. وهو أحد مبادئ حل الخلاف والتي تبدأ أساساً من سؤال الطرفين المتنازعين عما يريد كل منهما وما الهدف الذي يرغب تحقيقه من الحصول على ما هو مختلف عليه. ثم التفكير في كافة الحلول التي تحقق تلك الأهداف المتعارضة، حيث يسأل الوسطاء كل طرف من أطراف النزاع على حدة عن غايته ثم محاولة استقصاء كافة البدائل أو الحلول التي تحقق غاية الطرفين معاً دون أدنى تضحية أو خسارة فإن لم يكن كذلك فبأقل خسارة أو تنازل من قبل كل من الطرفين مقابل مكاسب أكبر يتم تحقيقها نتيجة ذلك التنازل.
و الخلافات التي في حياتنا كثيرة والتي يمكن علاجها بشيء من الحكمة وبعد النظر. منها النزاع الذي قد يحصل بين الورثة، يختلفون على ورثة حصلوا عليها. كل له وجهة نظره وما يبررها ولا يرى خطأ أو ذنباً فيما يطالب، قد يصلون إلى الاشتباك الذي أهونه الوصول إلى المحاكم وأسوؤه إسالة الدماء ومن ثم لم يستفد أحد شيئاً... بل إضاعة ما هم مختلفين عليه وتقطيع الأرحام. بينما لو تمت المصارحة ومعرفة هدف كل من الأطراف المتنازعة والتفكير في مختلف الحلول التي تحقق تلك الأهداف لفض الخلاف وعم الخير جميع المتنازعين.
وقس على ذلك الكثير من الخلافات بين أفراد الأسرة الواحدة والتي كثيراً ما ينتج عنها تفكك العلاقة الزوجية أو بين أفراد الحي الواحد وطلاب الفصل الواحد والتي كثيراً ما تنتهي إلى ما لا يحمد عقباه ويضيع معها حسن الجوار والأمن والأمان. وما ينطبق على الفرد ينطبق على الأمم.
والعجيب أننا ندرب المديرين مبادئ فن الحوار وفض الخلاف وتنفق المؤسسات الكثير على تلك الدورات ولكن يبدو أن مفعولها لا يتجاوز قاعات التدريب وفي أحسن الأحوال لا يتجاوز المعاملات الإدارية التجارية. ولعل في ذلك إشارة إلى صعوبة احتضان تلك المبادئ بمجرد حضور دورة أو قراءة كتاب. إنها تنمو بالممارسة وترويض النفس عليها وتعويد العقل على استخدامها. هذا يحتم علينا أن نجعل تلك المبادئ والقيم جزءاً من ثقافة الفرد بغض النظر عن الموقع الذي يشغله في المجتمع. إذاً علينا تدريب أبنائنا في بيوتنا من خلال تصرفاتنا أمامهم ومن خلال مناهجنا في مدارسنا, كيف يمارسون فن الحوار والإصغاء لوجهات النظر المتباينة واستنباط خطوط التقارب بينها والتركيز عليها بحيث يتحول الخلاف إلى وئام وليكن صورة من صور الثراء والتكامل الفكري.
*أكاديمية سعودية في جامعة الملك عبدالعزيز
منقول