السلام عليكم :
الأخ الكريم ياسر : بارك الله لك وبك ..
بداية أشير إلى أن النقاش العلمي المثمر- كما أحسب - هو الذي ينشأ عن رأيين مختلفين ( وإن ظاهرياً ) فيُظهر كل صاحب رأي دليله , و يحدد وجهة كل من الرأيين حال أدلته ..
والذي ظهر لي مما تقدم بأن كلاً منا يتحدث عن أمر مغاير للآخر , وإن كانا يلتقيان في المحصلة ..
فحديثي كان عن معنى ( التعريف أو الحد أو الاصطلاح ) وبنيته , ولماذا وُضع وما هي وظائفه .. وهذا كان نتيجة فهمي لمدلول عبارتك عن التعاريف في مشاركتك الكريمة ذات الرقم ( 5 ) ..
في حين أنك تتحدث – كما فهمت من مشاركاتك اللاحقة – عن منشأ مضمون التعريف لدى واضعه ..
فلو سأل سائل : كيف كان يعتقد كلّ من ( أرسطو ونيوتن و أينشتاين ) الزمن ؟
لكان الجواب :
الزمن عند أرسطو – أو في اعتقاده - , هو : ( عدد للحركة , بمعنى الشيء المعدود منها والذي هو قابل للعد منها ولم يُعدّ بعد ) .
والزمن عند نيوتن , أنه : ( مطلق , ينساب من تلقاء نفسه , وبطبيعته الخاصة , باطراد دون علاقة بأي شيء خارجي ) .
والزمن عند أينشتاين , أنه : ( ينساب على الأشياء السريعة الحركة أبطأ من انسيابه على الأشياء البطيئة الحركة ) .
وهذا الجواب يقال بتمامه , للسائل القائل : ما هو تعريف الزمن عند كل من ( أرسطو ونيوتن و أينشتاين ) ؟ .
إذن ؛ معتقد المرء في مفهوم علمي ما , هو أخذه وتمسكه بتعريف هذا المفهوم .
وهكذا تنتقل المعتقدات بالمفاهيم العلمية , أي : بوساطة صياغتها وفق ضوابط محددة , تسمى تعاريف أو تعريفات , التي من أهم ضوابطها :
أ – أن يكون المعرِّف أظهر من المعرَّف .
ب – وأن يكون بصيغة ظاهرة بينة .
ج – و بصفة ملازمة للمعرَّف مفارقة لغيره .
د – و بأقل عدد من الكلمات .
وأما إذا سأل سائل : كيف توصل كلّ من ( أرسطو ونيوتن و أينشتاين ) إلى هذه المعتقدات أو التعريفات ؟
فيجاب عليه :
بمعالجة كل منهم ما توفر عنده من أفكار وأبحاث ونتائج الرصد في المختبرات وفي – الطبيعة - ... وقد يحدث أن تنبثق , عند هذا المعالج أثناء بحثه , النتيجةُ التي يرمي إليها , كومضة خاطفة , لا يد له فيها , وربما تكون في منامه .. وسمّها هنا ما شئت : حدساً أو إلهاماً أو عمل اللاوعي ....
فالتعريفات هي صياغة للتصورات ( أو المعتقدات ) وفق ضوابط محددة , كلما رُوعيت – هذه الضوابط – كان المعرَّف أقرب إلى الفهم .. وهذه التعريفات – التي أقامها واضعها على ما توفر عنده من أفكار وأبحاث ... - عرضة للتغير على يد المعالج نفسه ( كحال نيوتن مع تعريف المكان – حيث قال بإطلاقه أولاً - ) أو على يد معالج آخر , للقضية نفسها , ( كحال غاليلو مع أرسطو ) ...
آمل أن أكون قد وُفِّقت إلى صياغة ما تحصل عندي , من خلال الفوائد الجمة التي اقتطفتها من مشاركاتك الكريمة ..
ولكم تحياتي