في الحقيقة استغربت من عنوان الموضوع واستغربت أكثر عندما تعرفت على هذا المبدأ الذي يوصف بالمبدأ الإلحادي.. كيف يوصف بهذه الصفة مبدأ يتعرف منه الكثيرون على قدرة الله وإبداعه في خلق المواد .. بل ويردون به على الكافرين ويدحضون به شبهات الماديين والجاهليين المعاصرين .؟؟!!
المبدأ كما وضعه صاحبه يقول :" مجموع كتل المواد الداخلة في أي تفاعل كيميائي = مجموع كتل المواد الناتجة منه "مبدأحفظ المادة..
ومن هذا القانون نستطيع أن نستنتج أن المادة لا يمكن أن نصنعها من العدم( لاأريد أن أقول : نخلقها ) لماذا ..؟؟ لأن الله وحده يخلق من العدم . فـكي نصنع مادة ما لا بد أن نحولها كيميائيا من مادة أخرى بحيث لا تنقص كتلة المادة الداخلة في التفاعل.
كما لا نستطيع أن نفني المادة أو أن نلاشيها .لماذا ؟ لأن المواد الداخلة في التفاعل لها كتلة لن تزيد عن كتلة نواتج التفاعل.
ولنمثل هذا الأمر بأسلوب منطقي رياضي. لنثبت أمران أن المادة باقية إلى أن يشاء الله .. ولايخلقها من العدم غير الله.
بما أن الفناء يعني تلاشي الكتلة وانعدامها تعريف
إذن إذا فني جزء من مادة فإن الكتلة تقل استنتاجا من التعريف
إذن إذا فنيت مادة في تفاعل قلت كتلة النواتج استنتاجا
ولكن مجموع كتل الدواخل = مجموع كتل النواتج قانون مستنتج من التجارب
إذن كتل النواتج لا تقل من العبارتين السابقتين
إذن المادة لا تفنى (1)
بما أن الاستحداث من العدم يعني زيادة في الكتلة دون مصدر تعريف
إذن إذا استحدثت مادة من العدم زادت كتلتها استنتاجا من التعريف
إذن إذا استحدثت مادة في تفاعل زادت كتلة النواتج استنتاجا
ولكن مجموع كتل الدواخل = مجموع كتل النواتج قانون مستنتج من التجارب
إذن كتل النواتج لايمكن أن تزيد من العبارتين السابقتين
إذن المادة لا تستحدث من العدم (2)
ملاحظة: التعاريف والبراهين شخصية يرجى ألا تعرضوها على العارفين منعا للإحراج..
'>
تعالوا ننظر إلى المبدأ من خلال مفهوم الكاتب..
يرى الكاتب أن المبدأ يثبت صفتين من صفات الخالق للمادة
أنها لا تفنى ويؤولها إلى معنى الأبدية
وأنها لا تستحدث من عدم ويؤولها إلى معنى الأزلية
ولقد احتدم الجدال والصراع بين أعيان فلاسفة العصور الوسطى للبحث عن مسألة خلق المادة أو أزليتها إلى أن تمكن فلاسفة الإسلام من خلال علوم الفلسفة والمنطق أن يبرهنوا على ما أقره الله تعالى (الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل) وقال ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير).. انتظروا قليلا لأبحث عن كتاب الفلسفة .. هاهو .. من حسن الحظ أن كتاب الفلسفة الوحيد في مكتبتي يتحدث عن هذه النقطة. استطاع الكندي وهو من أعلام المسلمين أن المادة مخلوقة من العدم من خلال دليلين:
الأول : دليل الأبعاد .:
كل مادة تتكوون من أبعاد ثلاثة هي الطول والعرض والارتفاع
أبعاد المادة متناهية محدودة الوجود وذات طول محدد
كل ما هو متناه لا يمكن أن يكون موجودا منذ الأزل
إذن المادة ليست أزلية
إذن المادة مخلوقة من العدم
الثاني : دليل الزمن والحركة:
بما أن الزمن مرتبط بحركة المادة
وبما أن الحركة مرتبطة بالمادة
إذن الزمن مرتبط بالمادة
ولكن المادة مخلوقة من العدم
إذن المادة لا تسبق الزمن والزمن لا يسبق المادة - نقلا عن" مبادئ الفلسفة والأخلاق"بتصرف-
(قارن هذا الدليل بنتائج النسبية الآينشتاينية)
الأمر الثاني أن الكاتب استخدم معنى الموت بمعنى الفناء والمفهومان مختلفان غاية الاختلاف . الفناء يعني تلاشي المادة أما الموت فهو غياب الروح عن الجسد .. والشخص الذي يموت تبقى مواده إلى أن يشاء الله في الطبيعة ولكنها تتحول من صورة إلى أخرى. أما روحه فغيابها كان السبب في موته. فالميت لا يفنى بالمعنى العلمي ولكننا نكتفي بالقول بأنه "يموت" والأم التي فقدت طفلها الغالي لا تفقد فيه جسمه وجلده وعظامه .ولكن تفقد روحه المرحة .. حيويته وركضه ولعبه وكلامه وفكره. الخ
ذكروا في الأخبار والآثار أنه لما قتل ابن آدم عليه السلام قال آدم لزوجه إن ابنها قد مات
فقالت الزوج: وما الموت؟
قال : لا يأكل ولا يشرب ولا يتحرك ولايتكلم ولاولاولا....إلخ
فبكت زوج آدم الصالحة وحزنت على ولدها القتيل الذي كان قرة عين لها، وعلى ولدها القاتل الذي أصبح من الخاسرين
بكت بعد أن عرفت مفهوم الموت الذي أتمنى أن نعرفه نحن أيضا ونفرق بينه وبين الفناء.
ولنضرب على ذلك مثلا بالهندوس التي تقضي تقاليدهم ودياناتهم الباطلة حرق موتاهم في ضرام النيران . فلو سألت هنديا عالما بالكيمياء لأخبرك أن الميت إن كان يزن 79 كيلوجرام فإن رماده بالإضافة إلى CO2 والغازات والأبخرة وجميع مخلفات النيران ستزن 79كجم أيضا.
إن ديننا الإسلامي يقر أن المادة باقية ..وأنها لا يخلقها إلا الذي بدأها أول مرة .. كيف لا وعشرات الآيات القرآنية التي تتحدث عن البعث والنشور يسعدها أن يتوصل البشر لمعرفة كهذه.. لقد أخبر المولى جل وعز أن المادة ستعاد تجميعها وتركيبها بقدرة إلهية ليلقى كل امرئ جزاءه الذي يستحقه من رب عادل كريم حكيم
أرجوكم اقرأوا هذه الآية مرة بعد مرة وتمعنوا في معناها
يقول المولى جل وعز في سورة طه
( منها خلقناكم
وفيها نعيدكم
ومنها نخرجكم تارة أخرى)
ولنستمع في الختام إلى قصة ذلك الرجل المذنب الذي أسرف على نفسه في اقتراف المعاصي واجتراح السيئات....... فلما حضرته الوفاة ودنا منه موته واقترب أجله، جمع بنيه وحفدته وقال: لقد علمتم ما كان مني من المعاصي والآثام فإذا مت فاحرقوني ، ثم اسحقوا رمادي .. واحملوه في يوشديد الرياح فاذروا - انثروا-نصفه في البر ونصفه في البحر.
ويقول الأولاد: ولم ذاك يا أبتاه؟
فيخبرهم بقول لا يعيه ولا يعرف ما هو : افعلوا ما أقول لكم فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين.
ومات ذلك الرجل ونفذ ابنؤه وصيته بالحرف الواحد.
وبالقدرة الربانية الحكيمة يأمر الله البحر فيجمع رفاته ويأمر البر فيجمع أشتاته .. ويعيد الله خلقه الذي بدأه أول مرة ويقول لعبده الضعيف المسرف ما معناه : ما حملك على ما فعلت.. ؟
فيجيب العبد : يا رب خشيتك.
ومن الله الكريم يأتي الجواب فيما معناه : اذهب فقد غفرت لك
أجل (إن الله كان عفوا قديرا)
أجل إن مادة الرجل لم تفن ولكنها جمعت بقدرة الله من كل مكان. وإذا كانت مواد البشر موجودة في الطبيعة فلا بد أن تأتي يد القدرة الإلهية لتجمع تلك البقايا المتناثرة من كل مكان.
خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد "المعري"
في نهاية المطاف نعيد على بدء ما قلناه : أني قد استغربت حقا من قراء المقال. أيمكن يا أخت جنين أن يكون توارد الأفكار والخواطر بعيدا إلى هذه الدرجة ..بالأمس كنت أفكر في هذا القانون وخطرت لي فكرة تأليف مسرحية علمية عن تطبيقات هذا القانون .. لكنك جعلتني أقول كل ما عندي وكل ما كنت أنوي قوله حينئذ .
جزاكم الله خيرا
مع تحيات أخيكم أرشميدس مصر