السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،
أود في البداية أن أشكر الأخ فتى جازان على طرح هذا الموضوع القيّم الذي أرى أنه يستحق كثيرا من المواصلة في نقاشه بصورة أوسع وتفصيل أدق ، ومن ثم أشكر هذه المشاركات المفيدة من الإخوان ، وبالذات أخينا أبي سليمان الذي زاد الموضوع شيئا من التوسع . وذلك في قوله أثابه الله ( وأقول أن سرعة حادثة الاسراء والمعراج هي معجزة " ولا يمكن " أن نستنبط منها قوانين تتوافق مع قوانين أرضنا وحياتنا ... والله أعلم ) أي أنه يمكن أن نستنبط منها قوانين غير مألوفة الاستنباط . وعلى هذا فإن لي بعض الملاحظات ليست على هذا القول لأنه قول أبي سليمان ، أبداً والله ، وإنما على موضوع الربط بين حادثة الإسراء وحادثة المعراج من حيث أن لكل واحدة منهما خواصاً مختلفة عن الأخرى في طريقة الحدوث .
فأقول إن حادثتي الإسراء والمعراج كلتيهما متصلتان في أزمان وقوعهما وأحداثهما كل واحدة بالأخرى فأول الأمر كانت حالة ( الإسراء ) والثانية ( المعراج ) والثالثة ( العودة من المعراج ) وهي ( ضد العروج ) لأن العروج يختلف عن ( ذهاب ، ارتفاع ، سمو ، علو .... ) ، وربما يكون اسم الرجوع من العروج هو ( العروج ، أو المعراج ) أيضا ، والحالة الرابعة هو العودة من الإسراء بنفس طريقة الإسراء كذلك ،
لكن الطريقتين مختلفتان اختلافا جوهريا وذلك أن الله عز وجل لما أراد أن يخبرنا عن حادثة الإسراء ( فقط ) بدأ بأن سبّح نفسه في قوله العظيم ( سبحان الذي أسرى بعبده ) وما ذاك إلا لاقتران حادثة الإسراء بآيات عظيمة مستقلة وذلك من قوله تعالى ( لنريه من آياتنا ) يمكن للإنسان أن يدرك منها ما شاء الله ، فلا يستحيل علينا مطلقا أن نستزيد الحسّ بإعجازها بل القصد هو في زيادة الإحساس بها حتى بلوغ الإعجاز الحقيقي بإذن الله ، وعلى هذا فإنها تكون ظاهرة على نهج من القوانين الفيزيائية الحقيقية التي تتعارض مع نهج القوانين الفيزيائية ( المكتشفة المألوفة ) أوالقوانين الفيزيائية ( المألوف اكتشافها فيما بعد ) ، فمثلا كيف يحتمل جسم الإنسان هذه السرعة المتجاوزة لضوابط الكتلة المحدودة النطاق ، كما أنه كيف تحولت عصا موسى عليه السلام إلى ثعبان تحولاً فعليا حقيقيا ... إلى غير هذا من الإعجازات العلمية إعجازاً حقيقيا . ولا أظن أن هناك ما يمنع من إدراك مستوى الإعجاز إدراكا بالغ الرقي ، وهذا الإدراك لا ينقص من قيمتها أو يخل بمكانتها أو يسيء إلى جوهرها كما يتوهمه بعض الناس بل إنه يزيد من مكانتها العلمية وذلك لقصور العقول العلمية المتخصصة عن تفسير آخر ما توقفت عنده ، وما ذاك من عارض الجهل المؤقت وإنما هو من عارض العجز اللازم ، وإن شئت فتدبر قوله تعالى ( إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ ) وكلمة ( عباده ) هنا خاصة بعامة المسلمين فميز الله علمائهم تمييزاً خاصاً لبلوغهم كُنْهَ عجزهم العلمي أمام عظمة الله مما زادهم خشية من الله تستوجب زيادة الرجاء فيه ، أما عامة الكافرين فتراهم عكس ذلك حيث أن علمائهم يكونون أشدهم كفراً لعدم بلوغهم كُنْهَ عجزهم العلمي الذي يزيدهم ضلالا ، بدلا من الاستسلام للحق ، فلا فرق بين علمائهم وعامتهم في المقدار بل هم في حضيض الكفر سواء وكما قيل ( ليس بعد الكفر ذنب ) وإنما الفرق في شدة الكفر فيما يتبعه من جزاء وإن شئت أيضا فتدبر قوله تعالى ( بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ) فجمعهم الله (سبحانه) علمائهم وعامتهم ولم يميز علمائهم وذلك لمساواتهم أنفسهم بعامتهم من الجهال في الضلال ، من أجل هذا فإن كل طالب علم إذا كان يبتغي به وجه الله الكريم فإنه يسير إلى ما يسّره الله إليه من الظفر وله أجران ، أو القصور وله أجر واحد ، ألا ترى قول الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ( رب أرني كيف تحيي الموتى ) ، ثم انظر كيف سأله الله " وهو أعلم سبحانه " وذلك السؤال على طريقة مخاطبته للإنسان التي فطره عليها ( أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ) وهذا مما يدل على سعة رحمة الله ولطفه بخلقه ، وعلو منزلة إبراهيم عليه السلام ، وهذا الاطمئنان الذي سعى إليه هو من شدة الرغبة في زيادة الفضيلة بزيادة المعرفة ، فهو الذي حارب الشرك بالله محاربة بقوة إيمانه بالله إلهاً واحدا لا شريك له ، والحاصل أنه بلغ مأربه بإذن الله فاطمأن قلبه عليه السلام .
وإن من المعلوم أن حادثة المعراج لم يرد ذكرها بعد حادثة الإسراء ، بل اكتفت الآية العظيمة بعدم ذكر المعراج ، وهذا يدل على أن حالة العروج تختلف عن حالة الإسراء من حيث هيئة الزمن ، وهنا لابد أن نبتعد قليلا عن بعض القيود النظرية التي تقف أمامنا مثل اعتبار أن الزمن واحد يتغير حسب السرعة فقط ، فلو تدبرنا الآية العظيمة ( وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ) اتضح لنا استقرار ذلك ( اليوم ) بقوله ( عند ) وأيضا تبعية الزمن الآخر للزمن الأول وذلك بقوله ( مما تعدون ) ولم يقل " مما عندكم " كما قال في الأول ( عند ربك ) .
وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً ) وهذا يعني أن زماننا هذا متغير نسبة لزمان آخر مستقر ، وتأمل دقة الوصف في جملة ( قد استدار كهيئته ) .
ومن هذا يمكننا أن نقول أن هناك زمن أساسي للقياس وهو الزمن ( المركزي ) وهو مستقر الهيئة (وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ ) ، ثابت البداية ولكن بلا نهاية وهو زمن الخلد . وأن هناك أيضا زمنا آخر وهو زمن ( دنيوي ) وهو متقلب نسبة للزمن المركزي ( كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ) ، ومحدد البداية والنهاية . هذا والله أعلم بالصواب
(Edited by الأسدي at 8:46 صباحاً في أغسطس. 6, 2001)