بمجرد مطالعة الأدب العالمي سنجد أنفسنا نرتجف .. من كان يتخيل أن ( تشيكوف ) سيموت بالدرن ؟!
هذا العقل العبقري مات في سن صغيرة نسبياً بداء كانت بعض أقراص من عقار ANH مع حقن ( ستربتومايسين ) كفيلة بالقضاء عليه ، لكنه عاش في زمن كان الدرن هو سرطان العصر ، و ما كان الأطباء يملكون له إلا النصائح بالرحيل إلى مكان دافئ ليشفى فيه ..
أدباء عظام ماتوا بالتيفود أو النزلات الشعبية ، و اليوم يموت عظماء كثيرون بالسرطان ..
و الحلم يطرح نفسه: لو أبقينا ( تشيكوف ) حياً حتى اكتشاف الـ ( ستربتومايسين ) ، و لو أبقينا مدام ( كوري ) حية حتى اكتشاف علاج السرطان ؛ فمن يقدر ما كانا سيقدمان لنا في عالم اليوم ؟
Cryonics : نوع من الخيال العلمي ، و ربما لم تتم تجربة واحدة سليمة حتى اليوم ..
نبتت الفكرة لأول مرة في قصة خيال علمي لكاتب فرنسي هو ( إدمون دابو ) في القرن التاسع عشر ( 1961 ) ، القصة اسمها ( الرجل ذو الأذن المكسورة ) .. في هذه القصة تم تجميد مريض لا يرجى شفاؤه ، و ذلك من أجل إعادته يوماً بعد أن يموت أطباء هذا العصر الجهلة ، و يأتي أفضل منهم ..
بعد هذا اعتنق علماء كثيرون الفكرة .. كلهم كانوا يؤمنون بأن الموت ذاته ليس سوى ( مرض لم يُعرف علاجه بعد ) .. و كان أملهم أن يبقى الحالة/الشخص في ظروف تحفظ أنسجته ، إلى أن يجيء يوم يعرف فيه العلم كيف يقهر داء الموت ، و عندها يعالجون هؤلاء القوم فيعودون إلى الحياة ..
لكن هذا الكلام محض هراء ، فالفكرة ذاتها تتنافى مع نواميس الطبيعة و ميثاقها .. لا بد من الموت ، و الكثير منه كي تستمر سيرة الحياة ..
لنقل أن هذا كان جزءاً منم غرور علماء القرن التاسع عشر ، الذين حسبوا أنهم واصلون إلى سر الحياة خلال أعوام معدودة ، و في جو كهذا كتبت ( ماري شيلي ) قصتها ( فرانكنشتاين ) عن العالم الذي خلق كائناً حياً ..
على كل ، لقد كان الإغراء بالنسبة لهم شديداً ، و قد قال ( بنجامين فرانكلين ) مراراً أنه يتمنى لو أُعيد إلى الحياة بعد مائة علم فقط خمس دقائق ، يعرف فيها ما حدث للعلم و السياسة و الاقتصاد ، ثم يموت بعدها .. لا يهم ..
معنى هذا الكلام أن تتحول القبور إلى غرف نوم أو ثلاجات !
لكن الفكرة تتعارض بشدة مع منطق الحياة و منطق الأديان .. و لكن ماذا تقول لأصدقائنا هنا الذين ـ بالنسبة لهم ـ كانت هناك دلائل معينة :
الباكتيريا تمومت أعواماً كويلة في درجات حرارة قريبة من الصفر ، ثم تزدهر و تنتعش و تمارس عملها من جديد .. و قد حسبوا أن ما ينطبق على الحيوان وحيد الخلية يمكن أن ينطبق على الحيوانات عديدة الخلايا ..
ال ( Cryonics ) تعمل أساساً على تجميد من ماتوا بالفعل ، لا على من أصيبوا بداء عضال حتى يجد الطب مخرجاً .. فقد كانوا يعتبرون الموت ـ كما قلنا ـ داءً عضالاً يمكن الشفاء منه ..
يجب هنا أن أفرق بين أربعة مصطلحات يخلط كثيراً بينها الحمقى/البسطاء ـ سمهم ما شئت ـ ، و يستخدمون هذا بدلاً من ذاك كالعادة:
Crypbiology : علم الأحياء في درجات الحرارة المنخفضة ، و يدرس تأثير البرد على الأعضاء الحيوية المهمة كالقلب ..
Cryogenics : و هو علم برئ آخر من كل هذا الهراء ، و هو علم فيزيائي يختص بدراسة خواص المواد في درجة الصفر المئوي ..
Suspended Animation ( الإحياء المؤقت ) : و هو علم لا وجود له ، و يعني إيقاف العمليات البيولوجية في الجسد الحي حسب هوى الشخص ..
Cryonics : و هو تجميد الموتى أو المرضى الميئوس من شفائهم .. تلاحظ أن لفظة Cryo اليونانية البادئة تعني ( الصقيع ) و البرد .. و حتى اليوم لم تتم عملية Cryonics ناجحة قط ، ببساطة لأن الصقيع يدمر الأنسجة تماماً ..
و لكن متى يتم تجميد الموتى ؟ فكلنا نعرف أن الجسد سرعان ما يتعفن ..
هناك موت إكلينيكي ، حينما يضع الطبيب سماعته ، و يطرق برأسه و يقول : أنا آسف .. بعده يأتي الموت البيولوجي حين تكف الغدد عن الإفراز ، و تتوقف الشحنات الكهربية .. بعد هذا يأتي موت الخلايا ذاته حين تبدأ عملية التحلل .. يحاول هؤلاء بدء التجميد في المسافة بين الموت الإكلينيكي و الموت البيولوجي ..
و في سياق ذلك ، جرب العلماء ( النيتروجين ) السائل .. ثم جاء ( هارولد ميرمان ) من الـ ( NMRO ) و قال إن ( الهيليوم ) السائل أفضل .. اليابانيون جربوا ( الأوكسيجين ) السائل و أبدوا به انبهارهم ..
و لكن هذا لا يعني أن التجربة قد نجحت .. فقد نجحت مع الفئران الحية السليمة .. و نجحت ـ مع اليابانيين ـ مع اليرقات .. فقد قام اليابانيين ( أساهيا ) و ( أوكي ) بتبريد الشرانق حتى 30 درجة مئوية تحت الصفر ، ثم غمراها في ( الأوكسيجين ) السائل .. و بعد هذا ذوبا الثلج ، فواصلت الحشرات حياتها بشكل طبيعي و خرجت منها الفراشات ..
( ميرمان ) جرب طريقة أعنف بالـ ( هيليوم ) السائل الذي وصل بدرجة حرارة الفئران إلى 197 درجة مئوية تحت الصفر .. و حين استعادت الفئران حياتها ، فوجئ العالم بأنها تتذكر كل ما تعلمته قبل التجميد .. لقد احتفظت بذاكرتها القديمة ..
فيما بعد جربت د. ( أودري سميث ) من المعهد القومي للبحوث الطبية نفس الشيء على الفئران و على الحيوانات المنوية ..
و هذا لم يكن نجاحاً كاملاً ..
أولاً : هم أجروا تجاربهم على كائنات حية ، و ليس على ميتة كما كانوا يأملون ..
ثانياً : لم تخلُ الخلايا من أذى واضح .. إن التجميد يكوّن بلورات ثلج داخل الخلايا ، و هذه تحدث عند التذويب أذى لا يمكن وصفه أو تصديقه ..
و لهذه الأسباب حاول اليابانيون حقن اليرقات بالـ ( Glycerol ) مع غمرها فيه .. يقولون أن هذا يقلل من تكوين البلورات ..
Glycerol molecular - تكوين ذرة ( جليسرول )
الآن نجد 400 من أكثر عقول العالم تطوراً مشاركين مع شركة Alcor التي تقدم هذه الخدمة (!!) بالرغم من عدم التأكد و كثرة الأقاويل عنها ..
لمزيد من المعلومات حول Cryonics
Cryonics ( كرايو-نيكس )
و الحلم يطرح نفسه: لو أبقينا ( تشيكوف ) حياً حتى اكتشاف الـ ( ستربتومايسين ) ، و لو أبقينا مدام ( كوري ) حية حتى اكتشاف علاج السرطان ؛ فمن يقدر ما كانا سيقدمان لنا في عالم اليوم ؟
من يدري ...؟
طيّب الله أوقاتكم ..
Minerva
====================
الموضوع للدكتور خالد توفيق