العبادة في الأساس تمثل علاقة الإنسان بربه، وتمد هذه العلاقة بعناصر البقاء والرسوخ غير أنها صيغت في الشريعة الإسلامية بطريقة جعلت منها ـ في أكثر الأحيان أيضاً ـ أداة لعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان، وهذا ما نقصده بالجانب الاجتماعي في العبادة.
ففي العبادات ما يفرض بنفسه التجمع وإنشاء العلاقات الاجتماعية بين ممارسي تلك العبادة، كالجهاد، فانه يتطلب من المقاتلين الذين يعبدون الله بقتالهم ان يقيموا فيما بينهم العلاقات التي تنشأ بين وحدات الجيش المقاتل.
وفي العبادات ما لا يفرض التجمع بنفسه ولكن مع هذا ربط بشكل وآخر بلون من ألوان التجمع، تحقيقاً للمزج بين علاقة الإنسان بربه وعلاقته بأخيه الانسان في ممارسة واحدة.
فالفرائض من الصلاة شرعت فيها صلاة الجماعة التي تتحول فيها العبادة الفردية إلى عبادة جماعية، تتوثق فيها عرى الجماعة، وتترسخ صلاتها الروحية من خلال الممارسة إلى عملية اجتماعية كبيرة.
وحتى فريضة الصيام، التي هي بطبيعتها عمل فردي بحت ربطت بعيد الفطر، باعتباره الوجه الاجتماعي لهذه الفريضة، أو المشروع الخيري الذي يموّله من الزكاة مباشرة.
وهكذا نلاحظ ان العلاقة الاجتماعية تتواجد غالباً بصورة واُخرى، إلى جانب العلاقة العبادية بين الإنسان العابد وربه في ممارسة عبادية واحدة. وليس ذلك إلاّ من أجل التأكيد على ان العلاقة العبادية ذات دور إجتماعي في حياة الإنسان ، ولا تعتبر ناجحة إلاّ حين تكون قوة فاعلة في توجيه ما يواكبها من علاقات اجتماعية توجيهاً صالحاً.
ويبلغ الجانب الاجتماعي من العبادة القمة فيما تطرحه العبادة من شعارات تشكل على المسرح الاجتماعي رمزاً روحياً لوحدة الاُمة وشعورها بأصالتها وتميزها. فالقبلة أو بيت الله الحرام شعار طرحته الشريعة من خلال ما شرعت من عبادة وصلاة، ولم يأخذ هذا الشعار بعداً دينياً فحسب، بل كان له أيضاً بعده الاجتماعي بوصفه رمزاً لوحدة هذه الاُمة وأصالتها، ولهذا واجه المسلمون ـ عندما شرعت لهم قبلتهم الجديدة هذه ـ شغباً شديداً من السفهاء على حد تعبير القرآن، لأن هؤلاء السفهاء أدركوا المدلول الاجتماعي لهذا التشريع، وانه مظهر من مظاهر إعطاء هذه الاُمة شخصيتها وجعلها اُمة وسطاً.
----------------
'>
'>